في أكثر من مناسبة يتم توجيه سؤال إلينا حول العلاقة بين النسوية وبين النضال من أجل تقليل السلاح في إسرائيل.
إن غالبية من يستخدمون وغالبية من يسيئون استخدام السلاح الخفيف- والمتضررين منه- هم رجال، بحيث أن النضال ضد انتشار السلاح ليس من الضروري أن يكون نضالا نسويا. ولكن لماذا نعدّه نضالا نسويا رغم كل شيء؟
- لأن المعطيات تظهر بأن الرجال يشكلون أغلبية، في جميع أرجاء العالم، ممن يحملون السلاح الخفيف، كما أنهم يشكلون أغلبية المتضررين من حمل السلاح الخفيف، باستثناء مكان واحد، هو البيت والعائلة، حيث نلحظ هنالك حضورا أكبر للنساء بوصفهنّ ضحايا.
- لأن تواتر حالات قتل النساء، وبحسب المعطيات الواردة من كل من أستراليا، كندا، جنوبي إفريقيا، دول أخرى، ترتفع بشكل كبير في المنازل أو في العائلات التي تتوفر فيها الأسلحة النارية.
- لأن بحثا أمريكيا أظهر وجود خطر كبير يصل إلى مضاعفة الاحتمالات بثلاثة أضعاف بشأن قتل النساء في المنازل التي تم حفظ السلاح الناري فيها، كما أظهر بحث أمريكي آخر بأن خطر تعرض النساء للقتل يرتفع إلى خمسة أضعاف حين يكون الرجال الذين يحتفظون بسلاح ناري من ذوي الماضي العنيف تجاه شريكاتهم.
- لأنه في إسرائيل، هنالك على الأقل 20 إمرأة و -19 رجلا قد جرى قتلهم نتيجة لإطلاق النار من سلاح حراسة في الحيز الخاص العائلي، الحيّز الذي تم اصطحاب سلاح الحراسة إليه بعد انتهاء الدوام.
- لأن النسوية تعمل في مجال تشخيص وطرح ظواهر فريدة للأجناس والمجموعات المختلفة، بما فيها ظاهرة الضرر المتسبب للرجال نتيجة الأسلحة النارية (على يد رجال آخرين أو على أيديهم هن أنفسهم من خلال حالات الانتحار).
السلاح والجنسانية
يرتبط استخدام السلاح بالتصورات حول الرجولة؛ ويرتبط السلاح الفردي والمسدسات على وجه الخصوص بالهوية الذكورية. أما المسدس نفسه فهو يمثل عضوا جنسيا ذكريا في الكثير من الأفلام والاستعراضات؛ إن الربط بين السلاح الناري وبين الهوية الرجولية ليس مقتصرا على الثقافة العربية، وهو مذكور في الأدبيات المرتبطة بالشرق الأوسط أيضا وتركيا وجنوب إفريقيا وغيرها. إن اختراع مسدس الكولت في الولايات المتحدة في أواسط القرن التاسع عشر، والنقلة الذي مثلها هذا الاختراع في عملية الصناعة واسعة النطاق للمسدسات قد سرّعت ووفرت قوة خاصة للصلة الثقافية بين الهوية الذكورية والسلاح الناري. يعد المسدس الصناعي نقلة نوعية تتيح توفر مصدر قوة فتاك ورخيص لكل من يرغب به، أو عمليا: لكل من يرغب به من الذكور. لقد عمل فيلم الويست الأمريكي لاحقا على النشر الواسع لهذا التوجه وعلى تشجيع تخييل الاستقلالية الذكورية الرافضة للسلطة. وقد ربطت بين البطولة والرومانسية وبين عملية احتلال الأراضي مع التنصل من القوانين، إلى جانب الاستغلال الفظ لقوة العمل، بما يشمل تشغيل النساء. لا تزال الحجة القائلة بالحاجة إلى السلاح من أجل حماية “المرأة” والمنزل الذي يتماهى معها حتى اليوم، وفي إسرائيل أيضا، حجة مسيطرة، في سيرورة يتم توصيف “المرأة” فيها بوصفها “الآخر” الضعيف والأقل مكانة والبعيد عن تشكيلة واسعة من حيزات العمل، والمقصاة إلى “المنزل”.
إن إدراك الصلة الجنسانية هنا هي مسألة ضرورية من أجل قراءة متعمقة في خريطة الواقع ومن أجل بلورة سياسة لائقة في هذا الشأن. إن سياسات ترخيص السلاح والرقابة عليه التي لا يكون في بوصلتها (من ضمن تشكيلة الاعتبارات الأخرى) مسألة التحليل الجنساني، هي سياسة عمياء. وقد وصلت الباحثات والمنظرات والكاتبات النسويات إلى إدراك أن العنف الموجه ضد النساء هو نتاج سياسات وثقافة وليس تشكيلة من الحالات “الاستثنائية” أو “المهووسة” التي تشكل جزءا من مآسي فردية فحسب. إن الجهد الهادف لتغيير السياسات من أجل منع وقف حدوث عمليات قتل يمكن وقفها (في قسم كبير منها، إن لم يكن في غالبيتها)- بشكل أساسي ضد نساء، ولكن أيضا قد يكون ضحاياها من الرجال- هي خطوة ترتكز على هذه الرؤية الهامة، والتي تبني عليها وتسعى إلى تقسيمها إلى تفاصيل عملانية، وهذه السيرورة، بذا، هي سيرورة نسوية.
مستخدمو الأسلحة الخفيفة وضحايا الأسلحة النارية: الخصائص الجنسانية
غالبية مستخدمي السلاح، ومسيئي استخدامه هم من الرجال، وخصوصا من الرجال صغار السن، كما أن الغالبية العظمى من المتضررين والمقتولين بالسلاح هم من هذه الفئة أيضا. وفي تحليل النتائج التي توصلت إليها منظمة الصحة العالمية حول سبعين دولة ذات مناسيب متفاوتة من العنف، فقد تبين أن الرجال الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 29 سنة قد قتلوا بالسلاح الناري بوتائر تصل إلى أكثر من أربعة أضعاف ما هو الحال عليه لدى بقية السكان (22 ضحية من كل 100,000 ضحية، وذلك مقارنة بخمسة ضحايا لكل 100,000 ضحية). ويقع ما بين 70 إلى 100 ألف رجلا في هذه الفئة العمرية ضحايا للسلاح الخفيف كل سنة في أرجاء العالم (والإحصائيات لا تشمل الضحايا التي تسقط في مناطق المعارك). أما النساء من جميع الأجيال فيشكلن نحو عشرة في المائة من ضمن ضحايا السلاح الخفيف في أرجاء العالم.
في إسرائيل، كما هو الحال في أماكن أخرى، تشكل النساء أقلية صغيرة من فئة حاملي الأسلحة: ففي سنة 2012 كانت نسبة هاتيك النساء نحو خمسة في المائة فحسب من بين من يسمح لهم بحمل السلاح الفردي في الدولة، ونحو سبعة في المائة على أكثر تقدير، من ضمن المسموح لهم بحمل سلاح حراسة.
إن تأثيرات السلاح الخفيف على النساء هي تأثيرات فريدة ومختلفة عن تلك التي لدى الرجال: ففي جميع أرجاء العالم يتمثل التهديد الرئيسي للمرأة من الأزواج وأفراد الأسرة في المنزل، في حين أن التهديد الرئيسي للرجال يتأتى من معارفهم في المجال العام. وتشكل النساء غالبية كبيرة من ضحايا العنف داخل العائلات، حيث تشير دراسات مختلفة إلى وجود ارتفاع واضح في احتمالات قتل المرأة في الأماكن التي يسهل الوصول فيها إلى الأسلحة الخفيفة. وقد كشف بحث مستفيض حول قتل النساء في 25 دولة متقدمة عن صلة واضحة ما بين توافر الأسلحة النارية وتواتر جرائم قتل النساء والفتيات. إن السلاح الخفيف المنتشر والمتوفر يسهم في الكثير من الأحيان في تنفيذ جرائم جنسية ضد النساء والطفلات. وهو يميل إلى إسناد ومفاقمة مثل هذا النوع من الأحداث في فترات الحرب وفي فترات الهدوء النسبي أيضا.
يتم تنفيذ جرائم القتل ضد النساء والطفلات (وأيضا ضد الرجال والأطفال) بالسلاح المرخص (“القانوني”) وبالسلاح غير المرخص (“غير القانوني”). وبالنظر إلى جرائم إطلاق النار، وخصوصا تجاه النساء، فإن التمييز بين مرخص وغير مرخص هو تمييز مصطنع إلى حد كبير. ففي الفترة الواقعة ما بين تشرين أول 2000 ونيسان 2005 تم قتل 38 إمرأة في إسرائيل، قتلت 20 منهن بسلاح خفيف غير مرخص، في حين قتلت 18 بسلاح مرخص (وقد قتلت 14 من هؤلاء بسلاح يخص قوات الأمن – الجيش، جنود الاحتياط، الشرطة، شركات الحراسة).
في العقد الواقع ما بين 1990 و 2000، كانت نسبة جرائم قتل النساء على أيدي شركائهن بواسطة سلاح ناري في الولايات المتحدة قد بلغت 71%؛ وفي بحث يعود للعام 1992 كشف النقاب عن أن استخدام السلاح الناري مقارنة بوسائل أخرى في الاعتداءات التي تجري داخل العائلة، يرفع نسبة خطر التسبب بالموت بـ 12 ضعفا في أثناء الهجوم. وبناء عليه، وفي ظل ظروف العنف داخل العائلة، فإن السلاح الناري يشكل تهديدا حقيقيا، وحادا، وقاطعا بشكل خاص.
قبالة كل إمرأة يتم قتلها، تعيش العديدات الأخريات في ظل سلاح ناري يفرض عليهن التهديد بالموت. في العام 2016 حددت باحثات أمريكيات أن نحو 4% مليون إمرأة في البلاد قد تعرضن لتهديد بواسطة سلاح ناري على يد شريكهن في الحياة، وقد تم إطلاق النار على نحو مليون إمرأة نجحت في البقاء على قيد الحياة أو الإفلات من إطلاق النار على يد شريك الحياة. وبحسب أقوالهن، ولأن السلاح الناري من شأنه أن يتحول إلى سلاح فتاك بسرعة ولقاء جهد صغير نسبيا، فإن إظهاره أو التهديد بواسطته من شأنه أن يخلق ما تعرفه الأبحاث بوصفه حالة “سيطرة قسرية”، وهو ما يساعد التنكيل المزمن المتفاقم. وبحسب ادعاء الباحثات، فإن فرض سياسة وقائية متعلقة بالسلاح الناري تميل إلى التركيز على مسائل القتل فحسب بدلا من أن تكون شاملة وتمنع الاستخدام غير الفتاك بالسلاح من قبل أحد أبناء العائلة أو شريك الحياة.
وفقا لتقارير رسمية، تتعرض حوالي 200 ألف إمرأة في إسرائيل للعنف من جانب شركائهن في الحياة أو من جانب أبناء العائلة. سنة 2004 كشف مراقب الدولة عن أن المحاكم قد أصدرت 4,870 أمرا للحماية من العنف في العائلة (46% من مجل أوامر الحماية التي صدرت في الفترة المذكورة) لم يتم التبليغ بشأنه عن المسؤول عن ترخيص السلاح الناري، الذي من واجبه أن يتأكد من سحب السلاح الناري في مثل هذه الحالات. ويمكن التقدير أن مئات أو آلاف الرجال الذين صدرت الأوامر بإبعادهم عن منازلهم وفقا لأوامر حماية قد واصلوا من دون أي إزعاج الاحتفاظ بسلاحهم الناري.
حمل السلاح، المتضررات من العنف، والتشريعات الدستورية
إن المعطيات التي تشير إلى ارتفاع في وتائر القتل في ظل ظروف الانتشار الواسع للسلاح الناري، تشير بشكل واضح أيضا إلى التدابير الوقائية: في الدول والمقاطعات التي تشددت في التشريعات الدستورية وفي الرقابة على ترخيص وانتشار السلاح الخفيف برز انخفاض كبير في وتائر حالات القتل: فمثلا في كندا كانت وتيرة جرائم قتل النساء بواسطة السلاح الناري سنة 1995 قد بلغت 0.14 لكل 100 ألف؛ وحتى العام 2005 انخفض هذا الرقم إلى 0.09 لكل مائة ألف، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 32%. ومقارنة بذلك، فإن وتائر قتل النساء بوسائل غير السلاح الناري قد انخفضت في تلك الفترة بنسبة 12% فحسب.
في الولايات المتحدة، كشفت دراسة طويلة الأمد نشرت في العام 2014 عن أن القوانين المتساهلة نسبيا بشأن حمل السلاح تترافق مع ارتفاعات واضحة في عدد الهجمات، حالات السطو، عمليات القتل، إلى جانب حالات الاغتصاب. وقد كشف بحث سابق عن وجود وتائر أقل من حالات الموت بواسطة السلاح الناري (بما يشمل أعمال التسبب بالقتل أو القتل عن سبق إصرار، والحوادث، وحالات الانتحار) في ولايات أمريكية تم فيها فرض قوانين سلاح أكثر صرامة. وسنة 2011 كشف عن أن القوانين التي تحد من الانتشار الشامل للسلاح الناري تتسبب أيضا في تقليص منسوب الانتحار لدى الرجال، في حين أن القوانين التي تسلط جهدها على حجب التراخيص عمّن من شأنهم أ، يشكلوا خطرا، لا تؤثر على منسوب حالات الانتحار.
في إسرائيل، وفي أعقاب إنفاذ المادة رقم 10ج (ب) من قانون السلاح الناري، وهي المادة التي تحظر على الحراس حمل سلاحهم إلى المنزل، تم توثيق ثلاثة أعوام كاملة من دون وقوع أية ضحية قتل عمد أو قتل غير متعمد بواسطة سلاح حراسة خارج الدوام (بين الأعوام 2014 – 2016). لقد كانت هذه الفترة الأطول بدون ضحايا في هذه الظروف منذ شرع بتوثيق الحالات سنة 2002، وذلك رغم أن إنفاذ القانون قد كان جزئيا، بل وقد تم إدخال تسهيلات عليه في نهاية العام 2014.
النسوية بوصفها أداة لتحديد المعرفة الخفية
يطرح تحليل الواقع الذي يراعي الفوارق بين الجنسين أسئلة مميزة تركز على النوع الاجتماعي، مع جمع معطيات ذات علاقة بكل نوع اجتماعي على حدة. إن السياسات التي لا تستدخل المعرفة التي يتم تجميعها من نقاط مختلفة ومتنوعة بشأن الاختلاف الجنساني هي سياسات تعاني بشكل حتمي من التمييز؛ هذا هو الحال في كل مجال، وهو ينطبق بشكل خاص في مجال السلاح الفتاك.
إن الأساليب النسوية في بناء المعرفة، المؤتمنة على طرح الواقع المتهرب من أدوات التحليل القياسية، هي أساليب قادرة على إيضاح ووضع الإصبع على ظواهر فريدة خاصة بمجموعات إضافية، لا ترتبط على وجه التحديد بالنساء قبالة الرجال. إن النظرة الحساسة جنسانيا في الكثير من الحالات هي أيضا نظرة حساسة طبقيا، عرقيا، سنيّا، إلخ: إن الأدوات النسوية قادرة على تشخيص، بناء، ومطالبة هيئات المعرفة المرتبطة بالمجموعات الهامشية في المجتمع وعنها، على غرار مجموعات المهاجرين والمهاجرات، الفئات المحرومة والأقليات على اختلاف أنواعها.
في الولايات المتحدة على سبيل المثال، قامت باحثة نسوية بتشخيص تشكيلة متنوعة من الأسباب التي تؤدي إلى التمثيل الزائد للنساء ذوات البشرة الداكنة والنساء المهاجرات من ضمن ضحايا القتل داخل العائلة. إن مصادر هذه الظاهرة حسبما قالت الباحثة، ترتبط بانعدام القدرة لدى هاتيك النساء بالوصول إلى الخدمات والمعرفة التي تسهم في حمايتهن، وذلك بسبب قدرتهن المحدود على تملّك لغة الأغلبية، وبسبب الفوارق الثقافية القائمة بينهن وبين مقدمي خدمات الإسناد، وبسبب المعاملة المنحازة من جانب رجال الشرطة ورجال القضاء.
وفي إسرائيل أيضا، تتعرض النساء المتحدرات من مجموعات الأقلية اللغوية والثقافية لخطر متزايد مقارنة بالنساء المنتسبات إلى مجموعة الأغلبية. وبحسب معطيات جمعية “لا للعنف ضد النساء”، فإن 33.3% من ضمن النساء اللواتي كن ضحايا القتل داخل العائلة بين السنوات 2002 و 2010 قد كن فلسطينيات من مواطنات إسرائيل. وهذا تمثيل يبلغ 1.6 مقارنة بنسبة الفلسطينيين من مواطني إسرائيل- وقد بلغت النسبة 20.6% سنة 2011 بحسب معطيات الجمعية، و 25,3% من ضمن النساء اللواتي قد قتلن ما بين 2002 و 2010 داخل العائلة قد كن مهاجرات من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق- وهو ما يمثل نحو 2.5 ضعفا من نسبة المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى عدد السكان (أما 11.3% من ضمن النساء اللواتي قد قتلن في الفترة ذاتها فقد كنّ من أصول أثيوبية- أكثر من 7.3 من نسبة المهاجرين الأثيوبيين من مجمل السكان (نحو 1.5%). ورغم وجود اعتراف مؤسساتي بأهمية رفع العوائق الثقافية من أجل توفير خدمات الإسناد، فإن غالبية مراكز تقديم المساعدة، والخطوط الساخنة، وملاجئ النساء الناجيات من العنف، ومراكز الشرطة، وبالطبع المحاكم، لا تزال تدار بلغة الأغلبية وهي مسيطر عليها من قبل ثقافة الأغلبية، مع وجود عائق جزئي يعترض وصول النساء اللواتي ينتسبن إلى مجموعات الأقلية إلى هذه المؤسسات، وهو ما يعني تعرضهن لنسبة متصاعدة من المخاطر.
قضايا وحقائق
نشاطاتنا
نشاط قضائي وحملات
هل ترغب/ين بالحصول على معلومات محدّثة حول نشاطنا؟
سجّلوا في قائمة مراسلاتنا